بعنوان طائر السنونو بقلم الكاتب عبده داود

 طائر السنونو حزيران 2021 عودتنا (طيور السنونو) أن تزور بلدتنا النبك، ريف دمشق، في شهر نيسان من كل عام، تبشرنا ببداية ربيع جديد، وبالفعل الطقس يصبح عندنا ممتعاً للغاية، بعد شتاء، صعب، يشقينا صقيعه... هذه الطيور السوداء تزين سماء ضيعتنا من الربيع إلى الخريف تتنزه فرحة محلقة، جماعات ووحداناً، صاعدة هابطة في كل الاتجاهات، بسعادة غريبة أخصها بها الله رغم لونها الاسود الحزين... المدهش في هذه الطيور، الكيفية التي تبنى فيها اعشاشها من البحص الصغير والقش في الأماكن المحمية وبإتقان احترافي في تصنيع منازلها المعمارية، بشكل هرمي مقلوب... يستغرب المتأمل إلى تلك الأعشاش، كيف تجعل الطيور تلك الحصوات متماسكة متلاصقة بشكل متين. كي تجعلها منازل سكن خاص لها ولأولادها، وربما يطوبون تلك المنازل السنونية بصكوك ملكية مصدقة فيما بينهم... وسبب تصوراتي هذه، ذكرى محفوظة في ذاكرتي. منذ كنت صغيراً. كان في بيتنا غرفة غير مكتملة الاكساء بدون نوافذ ولا حتى باب... أحد طيور السنونو أختار سقف تلك الغرفة ذات الأعمدة الخشبية المستندة على العامود الحامل الذي يسمونه (البد)، ليبني عليها عشه، ربما اختار المكان لسهولة دخوله وخروجه إلى سقف تلك الغرفة بيسر وأمان... كنت حينها فرحا بذاك الطائر السنونو، الذي كان يذهب ويعود حاملا بفمه بحصاُ أو قشاً لمتابعة بناء عشه في سقف غرفتنا، وكان يرمقني بعينيه المدورتين الصغيرتين، كأنه يستأذنني في إتمام عمله، في الحقيقة انست حضوره، وأفرحني تواجده، وعندما كان يطول غيابه كنت اتساءل أين هو صديقي الاسود! ربما أضاع طريق العودة إلى منزلنا... لقد ربطتني مع ذاك الطائر الحزين نوع من المحبة، أشتاق اليه وانتظره كصديق لطيف يؤنسني... أنا خصصت تلك الغرفة غير المكتمل اكسائها، لي شخصياً لممارسة العابي الطفولية فيها، وقد شاركني تلك الغرفة صديقي السنونو، كانت الغرفة خالية لا يوجد فيها سوى العابي، وخردوات طفولتي، وهذا السنونو. كنت العب بألعابي هناك، واراقب حركة عمار العش الجارية في سقف تلك الغرفة بهمة ونشاط وهندسة احترافية. ذات يوم صنعت نقيفة (نبلة) مطاطية، ذاك السلاح الخطير الذي لا يحاسب عليه القانون، أحببت أن أجربها، شددتها وأطلقتها على ذاك الطائر المسكين، أصبته وهوى، وكاد يغرق في سطل دهان ابيض تصادف وجوده بالمكان، رفرف الطائر الأسود بصعوبة وطار هارباً. لكن تلونت ساقيه باللون الجديد الأبيض، وتصورته لن يعود، وحزنت أنا ولمت ذاتي على فعلتي، لكن يبدو قلب صديقي لا يحمل حقداً، والدليل إنه عاد في المساء إلى عشه، بعلامتيه الفارقتين لون ساقيه الغريبتين... دخل عشه صامتاً على غير عادته، وكأنه أراد أن يعاتبني على تصرفي المشين معه... أكمل الطائر بناء عشه خلال ذاك الصيف ولا تزال ساقيه بلونهما الأبيض... في الخريف، هاجر صديقي مع الطيور المهاجرة بساقيه المميزتين وكأنه يلبس جزمة بيضاء اللون تكسي ساقيه النحيلتين، لكن الحقيقة، قد آلمني فراقه، لقد كان صديقي طيلة فصلي الربيع والصيف. رحيل السنونو عن ريفنا يؤلمنا، لأنه ينذرنا بقدوم الشتاء الذي نخاف من برده القارس، لذلك نعتبر رحيل تلك الطيور، نذير شؤم... وهذا يحثنا مكرهين لنأخذ الاحتياطات التي تقينا صقيع بلدنا المؤلم... في الربيع التالي، عاد السنونو ومعهم صديقي الطائر ذو الطرفين الابيضين المميزين إلى عشه في بيتنا...عاد إلى ذات البيت الذي بناه بتعبه، وعرق جبينه... لذلك أدركت بأن العش ملكية خاصة لمن بناه. وفرحت بعودة صديقي كثيراً، لكنه لم يكن بمفرده هذه المرة، كانت معه رفيقته، ولم يرمقني كما كان يفعل قبل رحيله، ويبدو لي انه أنشأ عش الزوجية قبل أن يحضر زوجته معه. وتذكرت المثل الشعبي الذي يقول: "من وجد حبيبه، نسى صديقه" كتبها: عبده داود


تعليقات