لا تبكي يكفي بقلم الشاعر قدري المصلح
لا تبكي يكفي المسافرين صوت القطار يملأ المحطة بالضجيج وتأتي من البعيدِ ذكريات لم تقبلها الذاكرة وخجلا منكِ قبلت دمع عينيكِ وكأن الصحراء والتي منتصفها سكة الحديد خجلت من المسافرين كان القدر يلعب بأرواحهم مثلما كان القراصنة يلعبون بِأَرْوَاح البحّارة وأرصفةٌ غادرناها من سنين، فكيف نبكيها الآن ونبكي على المسافرين وإلا فانظري إلى السماء منذ رحلوا كثرت النجوم وأنتِ بينها نجمة النجوم لا تقولي أنا في المحطة ودمع عينينا فروحي وروحك حان لهما السكون من هجراتها الكثيرة إلى مسافرين ومحطات كثرت يا حبيبتي فيها تماثيل الذكريات فلا تصبحي تمثالاً في المحطة على جبينه عرق السنين ودمع عينيكِ يضحك المسافرين لا تبكي من شواطئ تحلمُ بالرحيل إذا مر بها المسافرين فالجوع قتل القراصنة قبل بحارة البحار وتضحك الشواطئ على قرصان يخفي بيده خبز الطحين لا بحارة ولا من يعدُ السنين ولا ذاكرة يمر الآن منها بحار من ظلم المسافرين ترى إذا عاد الشتاء وسمعت صوت المطر اغسلي بيدكِ وجهك ووجهي بأيدٍ متعبةٍ في محطّات يختنقُ فيها الهواءُ إذا مر منها المسافرين ولنعد إلى الطفولة ونحلم كي يبقى في الذاكرة رمل وحب وشمس تشرق على حلم ولا صور فيها للتماثيل والمحطات والمسافرين أخاف يا حبيبتي أن تخدعكِ السنين وتصبحي مثل التي تعد بأصابع يدها لقم خبز الطحين وأنا من قلت رياح روحكِ رياح شتاء يطرقُ الأبواب والنوافذ وبيدكِ تغسل وجوهنا وتصبح أكبر لوحة في المحطات يمقتها كل المسافرين لأننا إذا عشنا صار السفر موتا فهم من يعدون السنين لا نحن شيئا في حساب المسافرين في المحطات التي لنا ولهم وسبحانك يا رب العالمين على مقربة من الموت بكينا وقالوا عهرا فأين المذبحة وأفواج اَلْجَلَّادِينَ كان حلمٌ وبكينا وكان زمانُ مطلقٌ وكان الغيابُ الذي يملأُ المحطة بالضجيج حلم أن يسافر المسافرين وتهدأ المحطات وننام لنحلم فإذا بالمسافرين يحلمون لو أنهم يحملون في حقائبهم المحطات كي لا تُحلقُ طيوركِ الرحيمةُ ربي حول أرواحنا كما تحلّقُ طيور الحمام حول بيوتها المقصوفة لا من زمن ولا من غدر ولكن من ظلم المسافرين كسرنا الحجارة وبنينا الأوطان بحبنا فمن مسح صورنا عن جدران المحطات من سلب من الذاكرة الذكريات إلا المسافرين لا عرق جبين على جباههم ونحن كل هذه السنين لم نعد قادرين أن نحلم حلما واحداً ونمسح عرق الجبين فهو في أم الكتاب أية علينا إذا عاد المسافرين يعدون لقم خبز الطحين ويضحكون وأفواههم لا تنطق بكلمة إلا فيها لقمة وكل مضغة يعدون أعمارنا وما عشنا من سنين والموت أتى الآن هذا الذي على الجبين غبار لا عرق الجبين والآن يا حبيبتي لا تبكي لم نعد نعرف الذاكرة ورملها ولا الذكريات ولا المحطات ولا نذكر أحدا من المسافرين. الديوان: لقاء مع الشاعرة فدوى طوقان. القصيدة: أكاذيب المسافرين. للشاعر: قدري المصلح.
تعليقات
إرسال تعليق