احببتها وهي دودة بقلم الكاتب عبد العزيز عميمر
*أحببتها وهي دودة * _دودة تلتصق بالأرض،تتهادى في مشيتها ميلانا، ذات اليمين والشمال،تتخفى من منقار طير متربص،يترصد غفلتها،راقبها الذي أحبها واعتنى بها،ووفر لها أوراق التوت بكثرة،تاكل ،تبعثره،تنام فيه ،هي مدللة،ينظر إليها ويراقب طولها ونضجها،أيه كم يبتهج حينما تأتي على كل الأوراق ! يطمئن ،آه لقد شبعت . _لكن لاحظ منذ أيام صارت متراخية، تنام كثيرا،تحكم فيها الكسل ،وفي الصباح نهض وكعادته توجه ليطمئن ليراها ويحييها،فاستغرب وجدها ملفوفة بخيوط بيضاء شفافة ،شبيهة بخيوط العنكبوت ولكنها أسمك، أصبحت حزمة معدة للسفر ولم ير جسمها مثلما ألف،سكنت داخل خيوط ،ونامت، نامت وهي تتحول،وبعد مضي أيام،وأيام تفاجأ شرعت في تقطيع الطوق الذي حاصر جسدها،وتخرج شيئا فشيئا،يا إلهي أصبحت شيئا آخر بأجنحة شفافة،الجناحان مطويان،لكن يخرجان بتمهل ،ويرتفعان ،جميلان جدا متطابقان،ألوان متنوعة يعكسها الضوء فتبدو براقة،تنظر إليه،لا تعرفه،هي من أهل السماء،وكبرت واختلفت ،لا تعبأ به،ولا تتذكر ورق التوت ،الآن هي من جنس آخر وفكر آخر،وكل مايدب فوق الأرض محتقر عندها،لا تريد أن يلطخها بالماضي ،وبعاداته القديمة، وجدت نفسها تطير وتجول وتطفو في الفضاء تحملها نسمات رقيقة ،تفتخر ،هي عنيدة تفرض رأيها،ليس هذا فحسب بل هي تدبر لاختطاف الذي كان يرعاها، ريثما يشتد ساعدها وتتمرن أكثر على الطيران، وتختطف الذي كان لايهدأ ولايغمض له عين،حتى يعاين اكلها وماءها ومرقدها وحمايتها من الطيور ،ومن الأرجل التي تدوسها ،وتدخل مرات،ومرات،لإبعادها من طريق الحوافر،هو لا يعرف بل لا لا يعترف ،ولا يصدق بأن الدودة التي رباها ،تتنكر لجميله! وتريد خطفه وإلقاءه من الأعلى فوق الصخور المسننة فيموت موتة منكرة،موت حقد وكراهية بدون سبب،ربما يتصف بالصبر ولا يريد أن يخرج مايعرفه للوجود،فالاعتراف دليل على فشل تربيته ،لذلك يتألم ويتألم ،داخليا،يتنهد،يملأ صدره من الٱحباط ويخرجه في شكل زفرات،وتاسف، ويرى بأن الوضع مؤقت ويعود لطبيعته،وتعود الدودة الطائرة وتتفطن لسلوكها وربما تعتذر! تعتذر! نعم ،فالتنكر ليس من طبيعتها،وربما فعلا تختطفه، واستمرار عنادها،فقط ،تجعله يقنط ويتعذب ،نعم يتعذب ،مادامت الدودة أصبحت من أهل السماء فلا سبيل لرجوعها،حتى ذاكرتها فهي جديدة ،لذلك نسيت ورق التوت،ونسيت من كان يخاف عليها،هي في مجتمع جديد وفضاء أخاذ يأخذ بالعقول ولايعطي قيمة للماضي . _صبرا جميلا ،في انتظار التغيرات الإيجابية ،ولن يكون هذا إلا بالتفكير بعقل الدودة وليس بعقل الطائر،بعقل الأرض وليس بعقل السماء . الكاتب الجزائري عبدالعزيز عميمر.
تعليقات
إرسال تعليق