كنت في العاشرة للكاتبة نعيمة محمود المطلق /عاشقة الادب

 🌸 كنتُ في العاشرةِ من عمري حين تفتحت أحزاني لأولِ مرة، وكانت لي في هذا العمر ذكرياتٌ ثمينة.. أصبحت يتيمةً بامتياز، وهذه الصفة جعلتني أشعر بأنني متميزةٌ عن الآخرين وكنتُ أشعر بالفخر وكأني أحملُ وساماً أعلقه فوق صدري كنتُ أسمع أمي وجدتي تقولانِ لي : اليتيم قريبٌ من الله يحرسُهُ ويرعاه، فأشعر بالزّهو وأقول لأصدقائي وأنا أبتسم : أنا يتيمة.. وكانوا ينظرون إليّ بإشفاق، وكنت أقول لهم : الله يحبني وكانوا يضحكون نعم أصبحت يتيمة.. وهو جرح مؤلم لكنه نبيل، لأنه من صنع القدر، ولايمكن لأحدٍ عاقلٍ إلا أن يقف احتراماً للقدر لكنْ هذا القدر كان رحيماً، وقد غرس جرحه في صدري ليزرع مكانه بذور الصبر والإيمان والخير أصبحت يتيمة بامتياز.. وهي شهادةٌ طالما اعتززتُ بها ورضيت، كيف لا وقد كان أعز الخلق وأحبهم إلى الله يتيماً هكذا كنت أعزي نفسي وأنا صغيرة، وحين كنت أسمع قوله تعالى: (ألم يجدك يتيما فآوى) أشعر بحنان غريب، يعيدني إلى أحضان أبي، وإلى لحظاتٍ جميلةٍ افتقدتها منذ الصغر كنت أعي تماماُ رغم صغري عن مكانة اليتيم عند الله، وبأن قدره هذا إنما هبةٌ ومحبةٌ من الله، ورسالةٌ إلى كل طفلٍ يتيمٍ في هذا العالم : بأنني أنا الله.. سأكفلك يتيما وأرضيك وأسعدك وحين كنت أشعر بالحزن أو الحرمان أو الخوف، أو حين أشتاق لأبي وأكاد أبكي، اتذكر حينها قوله تعالى (ألم يجدك يتيما فآوى) فأتطلع إلى السماء وأناجي الله بيدين صغيرتين فأراها تحنو علي وأخالها تبتسم لي، فتتألق النجوم في عيني وتحضني سماءٌ واسعة تفيض عطفاٌ وحناناٌ لم أشعر قط بمرارة البؤس أو الحرمان أو اليأس ولم أكن أشعر بالنقص ولم أتذمر يوماً أو أشكو، وإن شكوت فلم أكن أشكو إلا لله كانت علاقتي به سبحانه تفوقُ كل وصف وهذا ماجعلني أشعر بالسلام في داخلي وأشعر بالأمان لم أكن وحيدة أبداً.. كانت لديّ أمي وحارتي ورفاق طفولتي وكتبي الصغيرة عشتُ طفولتي بوعيٍ وإدراك وحسٍّ إنسانيٍّ كبير لقد أنضجني الحزنُ باكراً.. كبرتُ وكَبُرت معي آلامي وذكرياتيَ الثمينة. ( من ذكريات الطفولة ) نعيمة محمود المطلق ✍️عاشقة الأدب


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسات جمالية بقلم الكاتب والشاعر جمال خليل جابر

ساحرة العينين بقلم الكاتب معن حمد عريج

بعنوان من يعيدني طفلآ بقلم الكاتب مروان منير الحوت