من الصور الجميلة بقلم عاشقة الادب

 🌴🌴 من الصور الجميلة التي ماتزال تحتفظ بها مخيلتي عن رمضان زمان صورة امي وأبي حين كانا يصنعان عصير التمر هندي وعرق السوس.. يالها من لوحة رمضانية رائعة كنت صغيرة جدا أمرح كعصفورة في أرض الدار أغني وألهو واتسلق الشجر وكان رمضان يهل علينا في الصيف فقد كان أبي يأتي من عمله بعد الظهر وكنت انتظره بشوق امام الباب اجلس على المصطبة الباردة اراقب الجيران في غدوهم ورواحهم ، وأبناء الحي وهم يلعبون، كانت الابتسامات تعلو كل الوجوه ويأتي ابي من عمله ضاحكا مستبشرا، فيحملني كعادته ويدخلني معه إلى البيت، وأحيانا كان يغني لي وهو يرقص ويدور ويطوف بي أرض الدار، فتصرخ به امي خائفة ان أفلت من يديه وهو يهتز طربا ثم يحين وقت لحظات المرح والفرح واللعب بالمياه والسباحة أحيانا، فيلبس ابي بجامته المهفهفة ويطويها حتى ركبتيه ويبدأ بشطف أرض باحة الدار وسقاية المزروعات، وتفرش امي بعد ذلك الارض وكنا نسميه الليوان.. ثم يبدآن مهمة صنع شراب رمضان المميز وكنت اراقبهما عن قرب فتارة ارنو إلى امي وتارة اراقب ابي واستمتع جدا بمنظرهما وهما يعملان بكل حب وتفان ويسبحان الله ، وقد كان شراب التمر هندي هو المفضل لدي لذلك كنت اقف بجوار ابي وأنتظره حتى يفرغ فأغب منه بضع رشفات ثم ازيد حتى يحلو مذاقه وكلما تذوقته امسح شفتي واذهب إلى اخوتي واقول لهم بكل براءة : انا صائمة وكانت أمي تضع الشراب بجرار الفخار وكذلك الماء وماألذ طعمهم بها ومااجمل منظرها قريبة من شتلات الورد و الزرع الأخضر الذي يتراقص فرحا كلما لفحته نسمات الهواء وقبيل المساء بقليل يخرج ابي تلفزيون الأبيض والأسود من غرفة الجلوس ويضعه في أرض الدار على طربيزة قديمة و متينة ورثناها عن جدي ونستمع لصوت ابتهالات النقشبندي وتحية الإفطار وفوازير رمضان ومقالب غوار ومسلسلات فيها من الطهر والبساطة والجمال مانفتقد إليه هذه الأيام كل شيء في بيتنا كان يحمل عبق أيام زمان حتى أشياء امي التي كانت تحتفظ بها في خزانتها الصغيرة كتذكار، كان لها عبق مميز وكنت اسمعها تقول : انها هدية من جدتي لها يوم زفافها وكانت عبارة عن صناديق مزخرفة ومناديل مطرزة واقمشة ولحف ناصعة البياض يفوح منها عطر أخاذ أما ابي فكان يحتفظ بساعة جدي الاورينت وبقي محافظا عليها وقد كانت وفية له فبعد غيابه توقفت عقاربها عن الحركة وكأنها حزنت لفراقه وعندما مات ابي خبا النور في وجه أمي وتحول إلى قمر حزين يسكنه صمت عميق ورضا وخشوع لكنه مع ذلك ظل يضيء ليالينا الحالكة واختفت لوحة من أجمل لوحات رمضان و ظلت امي على العهد الجميل تستقبله بالابتسامة والدموع ويشرق وجهها كالهلال وهي تلوح له من بعيد : أهلا بك ياحبيبي وكنت اظنها تكلم ابي وتناجيه لكنني كبرت وفهمت انها انما تقصد هلال رمضان فتهلل وترحب به وتبكيه مازال منظر عرق السوس وطعم التمر هندي القديم يفوح من ذاكرتي ومازلت أشعر بالحنان والحنين كلما جاء رمضان رحم الله ابي وامي واسكنهما فسيح جناته 🌳 ✍️ عاشقة الأدب


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسات جمالية بقلم الكاتب والشاعر جمال خليل جابر

ساحرة العينين بقلم الكاتب معن حمد عريج

بعنوان من يعيدني طفلآ بقلم الكاتب مروان منير الحوت